بقلم: يوسف صلاح الدين تكبير الخط
تعقيبا على حوارات الاستاذ شريف عارف التي أجراها بالقاهرة ونشرت في صحيفة "أخبار الخليج" على ثلاث حلقات في صفحة "رسائل" خلال ايام السبت والأحد والاثنين الموافقة 14/15/16 شوال 1430هـ الموافقة 3/4/5 أكتوبر 2009 بعنوان "في الذكرى الـ 36 لحرب أكتوبر.. اللواء فؤاد نصار مدير المخابرات المصرية الأسبق يكشف أسرار الحروب العربية - الاسرائيلية".
بعض ما ذكر في المقالات الثلاثة يخالف حقائق عن الحرب وقد سبق لي الاطلاع على آراء مشابهة حول حرب اكتوبر من قبل.
وأعتقد أن ما نشر في الصحف العربية وما بث في الفضائيات العربية عن اسرار جديدة عن أحداث الحروب الاسرائيلية العربية ينقصها الصواب لانها معلومات معروفة منذ مدة طويلة وغير دقيقة.
انا دهش من أقوال وتحليلات اللواء نصار عن بعض الأحداث التي ذكرها وفي اعتقادي ان كلامه لم ينقل بدقة واذكر بعضها:
استهجان اللواء نصار دخول بعض القوات العربية الى فلسطين على الخيل وفي اعتقادي انه يقصد فرسان الشركس الذين استشهد منهم 80 فارسا ولهم دور بطولي خلال الحرب.
نفى اللواء نصار دخول الجيش العراقي في حرب فلسطين على الاطلاق ولم يذكر دخول الجيوش العربية الأخرى، وهذا مخالف للحقائق الموثقة لأن الجيش العراقي كان له دور مؤثر ومهم منذ بداية حرب فلسطين وتحرير مدينة جنين ومحاصرة مدينة حيفا وكاد ان يدخلها لولا تدخل القيادة السياسية ومنعه وتندر الناس بشعر ذم قائد الكتيبة العراقية المحاصرة لحيفا وقال:
شلون ماكو أوامر يا صالح زكي وبنات العرب عند الهاجانا تشتكي؟
يوجد نصب تذكاري لشهداء الجيش العراقي في مقبرة قباطيا وهي من قرى جنين.
كانت الجبهة الاردنية أخطر واهم جبهة قتالية خلال حرب فلسطين عندما عبرت ثلاثة الوية من الجيش الاردني نهر الاردن في 16 مايو 1948 بعد تسلم الملك عبدالله بن الشريف حسين بن علي برقية عاجلة من سكان القدس والمتطوعين العرب بخشيتهم من سقوط القدس امام الهجوم الاسرائيلي وطلبوا إليه المسارعة الى نجدتهم وخاض الجيش الاردني معارك كثيرة اهمها اللطرون وباب الواد والقدس، وبعيدا عن الاقوال والشعارات والمزايدات الكلامية فإن الملك عبدالله هو اول حاكم عربي وصل الى القدس اثناء المعركة وحافظ على عروبة مدينة القدس والضفة الغربية وقال ديفيد بن جوريون امام الكنيست في سنة 1949: ان الخسائر الاسرائيلية في معركة باب الواد وحدها امام الجيش الاردني ضعفا قتلانا في الحرب كلها.
واعترافا ببسالة الجنود الاردنيين اقام الاسرائيليون نصبا كتبوا عليه "هنا يرقد جنود اردنيون قاتلوا ببسالة"، وهناك شهادة فوزي القاوقجي السوري الجنسية وقائد جيش الانقاذ بدور الجيش الاردني في حرب فلسطين وهو الجيش الوحيد الذي استطاع ان يجبر القوات الاسرائيلية على الاستسلام في موقع حي اليهود في القدس.
هناك بطولات من ضباط وجنود الجيش المصري وباقي الجيوش العربية وجيشي الانقاذ والمجاهدين ومن قوات متطوعي قائمقام احمد عبدالعزيز ومن متطوعي الاخوان المسلمين ومن اسد معارك اللطرون وباب الواد والقدس الضابط حابس المجالي والذي استطاع بقواته التي لا تتعدى 1200 جندي ان يهزم قوات عسكرية اسرائيلية تقدر بزهاء 6500 جندي تفوقه في العدد والعدة والتسليح وأسر قائد القوات الاسرائيلية الضابط ارئيل شارون.
كان ومازال الجيش المصري من اهم واكبر الجيوش العربية ولكنه ليس الجيش الوحيد النظامي في ذلك الوقت لأن الجيشين الاردني والعراقي نظاميان على النظام الانجليزي والجيشين السوري واللبناني نظاميان على النظام الفرنسي ورغم أهمية دور الجيش المصري فإنه لا يجوز اهمال دور الجيوش العربية الأخرى في حرب فلسطين ومنها:
الجيش السعودي الذي قاتل بكل شجاعة مع الجيش المصري وكان يشكل ربع القوات المصرية في فلسطين وقاتل الجيشان السوري واللبناني وبرز خلال الحرب عدنان المالكي وأكرم الحوراني واستشهد طيار سوري من عائلة الاتاسي في معركة جوية بعد ان اسقط طائرة اسرائيلية.
القول ان المناقشات السياسية خلال حرب فلسطين كانت حكاوي القهاوي يخالف الحقيقة، لأن الجامعة العربية أعدت اجتماعات عديدة واتخذ قرار لاعداد خطة عسكرية للدفاع عن فلسطين منذ بداية سنة 1945 وقبل دخول الحرب كان هناك رأيان: الأول - وهو رأي الاكثرية - ويدعمه الملك عبدالعزيز آل سعود ومحمود فهمي النقراشي باشا واسماعيل صدقي باشا وفؤاد سراج الدين بعدم دخول الجيوش النظامية والاكتفاء بدعم وتسليح المتطوعين العرب والفلسطينيين. والرأي الثاني - وهو رأي الاقلية - ويدعمه الملك فاروق واللواء اسماعيل صفوت رئيس اللجنة الفنية للجامعة العربية بدخول الجيوش النظامية وأيده النقراشي باشا وغير موقفه المعارض.
كانت خطة اللواء صفوت توفير ستة اسراب جوية (72 طائرة) ومائة الف جندي مزودين بأسلحة ومدرعات للدفاع عن فلسطين وتوفير مبلغ ستة ملايين جنيه مصري وهذا لم يكن بالامكان توفيره في ذلك الوقت.
قول اللواء نصار: لو لم تؤمم قناة السويس لظلت تحت السيطرة الفرنسية والصواب تحت السيطرة الفرنسية والانجليزية والدولية لأن شركة قناة السويس انشئت كشركة مصرية وعثمانية وفرنسية خلال حكم الخديوي محمد سعيد وأصبحت شركة فرنسية وانجليزية بعد ان باع الخديوي اسماعيل اسهم مصر في القناة الى انجلترا واصبحت شركة عالمية بتداول اسهمها في البورصة وكان معروف ان امتياز قناة السويس ينتهي في سنة .1968
اللواء احمد اسماعيل كان قائد الجبهة الشرقية له دور معروف في قيادتها ولكن عبدالناصر عزله بعد احداث معركة جزيرة شدوان التي تكتمت عليها القيادة المصرية مدة اسبوعين وأعاده الرئيس محمد أنور السادات بعد إقالة الفريق اول محمد صادق.
قبل الحكم على القادة السياسيين والعسكريين واداء الجيوش العربية في حرب فلسطين ينبغي الالمام بالاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والمالية العربية والاسرائيلية والعالمية وبتسلسل أحداثها وقراراتها التي كان اخطرها وآخرها قرار التقسيم في 29 نوفمبر 1947 الذي تم فيه تحديد حدود الدولتين الاسرائيلية والعربية وتوصيات التسوية الاقتصادية بينهما.
رحب اليهود بقرار التقسيم وعارضه العرب والفلسطينيون ولكن مجموعة شيوعية عربية اسمها "عصبة التحرر الوطني" وهي مجموعة اميل حبيبي واميل توما وآخرين أيدت قرار التقسيم ودعت الى قبوله.
اختير تاريخ حرب أكتوبر لأسباب أخرى لم يذكرها اللواء نصار وهي:
صادف يوم السبت عيد كيبور العاشر من شهر تشرين سنة 5734 يوم العاشر من رمضان لأن اليهود والمسلمين يستخدمون التقويم القمري وسبق يوم كيبور (الغفران) بعشرة أيام عيد السنة اليهودية في 26 سبتمبر (روش هاشانا) وبعد عيد كيبور يأتي عيد الظلة (المظلات) وعيد نزول التوراة فيكون الشهر العبري اغلب ايامه اجازات ويصادف كذلك عيد ميلاد الرئيس السوري حافظ الأسد.
رغم التكتم على قرار حرب 6 أكتوبر 1973 فان اسرائيل احست وعلمت من أطراف عديدة بقرار الحرب في مساء يوم الخميس 4 أكتوبر واختلفت التفاسير في عدم اتخاذ اجراءات مسبقة لاجهاض الهجوم المصري وتأكد لاسرائيل ذلك في مساء يوم الجمعة 5 أكتوبر مما حتم ايقاظ الجنرال موشي ديان من النوم قبل فجر يوم السادس من أكتوبر واجتمع مع رئيسة الوزراء جولدا مائير وكل هذه التفاصيل موثقة ومعروفة.
الجسر الجوي الامريكي تم لمنع اسرائيل من استخدام القنابل النووية بعد مكالمة تلفونية بين مائير وهنري كسينجر وانها أمرت بتفعيل او إخراج صواريخ اريحا من صوامعها، وقول آخر ان الاقمار الفضائية الامريكية رصدت تحريك بعض الصواريخ الى ميادين المعركة.
هناك غموض عن سبب الغاء الضربة الجوية الثانية وكيفية حدوث الثغرة وتدمير بطاريات صواريخ "سام" رغم قرار الرئيس السادات الخاطىء بتطوير الهجوم الى الممرات مرتين متتاليتين قد أذكرها في مقال آخر.
yousufsalahuddin@batelco.com.bh
No comments:
Post a Comment