حقائق عن ترومان وقراره بضرب هيروشيما بالقنبلة النووية


حقائق عن ترومان وقراره بضرب هيروشيما بالقنبلة النووية

انا من المتابعين لمقالات الأخ الدكتور خليل حسن سفير مملكة البحرين في اليابان القيمة وأود أن أضيف بعض الحقائق على مقاليه القيمين المنشورين في صفحة قضايا وآراء يومي السبت الأول والثامن من رمضان 1430 هـ الموافقين 22 و29 أغسطس 2009 بعنوان هيروشيما ترومان "والأوباماجورتي" (1،2) وأذكر بعضها توضيحا للقراء وليس لأخذ موقف مع او ضد طرف من الأطراف المتحاربة او تبرير استخدام السلاح النووي ضد مدينتي هيروشيما ونجازاكي لأن التاريخ يكتب بالحقائق مهما كانت قاسية وليس بالعواطف ومن حق القراء على الكتاب توفير الحقائق والمعلومات الشاملة لهم قبل الحكم على مجريات الأمور.
من المعروف ان احساس وتقييم الشخص الذي عاصر الأحداث يختلف عن الشخص الذي لم يعاصرها ويعتمد على المام الشخص أو عدم المامه بالأحداث وطريقة اعداد السؤال لتأثيرها في نتيجة استطلاع سؤال جامعة كوينيبيك الأمريكية: هل تعتقد أن خطوة الولايات المتحدة الأمريكية بالقاء القنبلتين النوويتين على مدينتي هيروشيما ونجازاكي كان قرارا صائبا أم خاطئا؟
كانت هناك خلافات أمريكية في استخدام السلاح النووي وخلافات يابانية في مواصلة الحرب بعد الانتصارات الأمريكية في سنة 1942 ومعارك شرسة في بحر المرجان وميدواي وجزر سليمان فأدركت اليابان استحالة كسب الحرب فاستخدمت خطة استنزاف في اوكيناوا في أواخر سنة 1944 بطيارين وبحارة وجنود انتحاريين (كاميكازي) مزودين بأحزام ناسفة ولهم طقوس بقطع اصبع او قطعة من الجسم وارساله مع رسالة إلى عائلاتهم وعصب رؤوسهم بأقمشة كتب عليه كاميكازي تيمنا بالرياح المقدسة التي دمرت أسطول المغول الصيني في سنة 1281 أثناء غزو اليابان وطائرات ملغمة وغواصات وطوربيدات بشرية للهجوم على القوات الامريكية وكبدت هذه الهجمات أمريكا خسائر هائلة في الجنود والمعدات تعادل ثلث خسائرهم خلال الحرب العالمية الثانية في المحيط الهادي.
تمكنت أمريكا من احتلال جزر قريبة من اليابان في اغسطس 1944 وارسالت طائراتها لقصف مدن اليابان لحثها على الاستسلام والمحافظة على ارواح جنودها لتكبدهم خسائر هائلة بسبب مقاومة اليابانيين في جزيرة اوجيما حيث قتل 21 ألف ياباني واستسلم 200 جندي بسبب الحاق العار بالجندي المستسلم وعائلته لتربيته منذ الصغر بأن الانتحار شرف وتضحية لليابان موطن الالهة التي لا تهزم وأن الامبراطور إله وعائلته تنحدر من الالهة منذ ألفين وخمسمائة سنة.
تكبدت أمريكا 50 ألفا بين قتيل وجريح واليابان 70 ألفا وفي بعض المصادر 110 آلاف عند احتلال جزيرة اوكيناوا وانتحر كثير من سكانها اليابانيين المدنيين بطريقة هاراكيري رغم حث القوات الامريكية بمكبرات الصوت والمنشورات على الاستسلام وعدم المقاومة لأن القوات اليابانية أخبرت السكان بأن الأمريكيين سيقتلوهم او سيأخذونهم عبيدا اذا استسلموا.
اعدمت القوات اليابانية سبع رهائن أمريكيين في 4 أغسطس 1945 وبلغت خسائر أمريكا 400 الف جندي منذ الهجوم على بيرهاربر إلى يوليو .1945يؤخذ على الامبراطور هيروهيتو مساندته القادة ذوي النزعات الاستعمارية بعد سيطرتهم على البرلمان في سنة 1930 وعدم حثهم على الاستسلام بعد اعلان بيان مؤتمر بوتسدام في 26 يوليو 1945 لأن اليابان أرادت انهاء الحرب ومن دون استسلام وتحمل مسئوليتها باشعال الحرب واصرت على المحافظة على الجيش والقيادة السياسية والعسكرية وارغام امريكا على قبول امتيازات الامبراطور في حين أن أمريكا أرادت استسلاما من دون قيد او شرط ومحاكمة الامبراطور والقيادة السياسية والعسكرية وتحمل اليابان نتائج بدء الحرب واضفاء الديمقراطية كما حدث مع المانيا.
بدأت طموحات اليابان الاستعمارية منذ انفتاحها على الغرب في منتصف القرن التاسع عشر بعد القضاء على حكام المقاطعات شوجان وجيوش الساموراي وانشاء جيش عصري تابع للإمبراطور بمساعدة أمريكية واحتلت اليابان كوريا في سنة 1894 وحاربت روسيا في سنة 1904 وانتزعت منها ميناء بورت آرثر المستأجر من الصين وانضمت إلى الحلفاء ضد قوات المحور في الحرب العالمية الاولى وحصلت على جميع ممتلكات الالمان في الصين وسيطر العسكريون في سنة 1930 على الحياة البرلمانية لتحقيق طموحاتهم بوصول الجنرال هيداكي توجو لمنصب رئيس الوزراء وبمباركة من الإمبراطور هيروهيتـو فاحتلوا مناطق ضعيفة مثـل منشوريا في سنة 1931 ونصبـوا عليها بويي اخر امبراطـور صيني وأصبحت حقل تجارب لأسلحتها.
لم تتصد الدول الكبرى لليابان مما شجعها على احتلال الصين في سنة 1937 وانضمت إلى المانيا وإيطاليا في سنة 1940 ضد الحلفاء ولانشغال اوروبا وحياد امريكا شجعها على احتلال إندونيسيا في سنة 1941 الغنية بالنفط فعارضتها امريكا فهاجمت اليابان بيرهاربر في جزر هاواي مركز الأسطول الأمريكي من دون اعلانها الحرب في 7 ديسمبر 1941 فاستغلت اليابان تأثير الضربة المدمرة فاحتلت الفلبين وماليزيا وسنغافورة وتايلند وبورما وبعض جزر صغيرة تابعة لألاسكا وكانت خطتها التقاء قواتها القوات الالمانية في ايران.
أعلنت أمريكا وانجلترا وكندا والصين الحرب على اليابان والمانيا وإيطاليا في اليوم التالي وغيرت أمريكا بامكانياتها الهائلة موازين القوة في جبهتي اوروبا والمحيط الهادى، وأدى الى انتصار الحلفاء وانتهت الحرب في 15 أغسطس 1945 وبعد أسبوعين احتفل بيوم النصر على اليابان بتوقيع وزير خارجية اليابان مع رئيس الأركان وثيقة الاستسلام على السفينة الحربية ميسوري الراسية في خليج طوكيو بحضور الجنرال ماك ارثر ومندوبين عن باقي الحلفاء ودفعت اليابان ثمنا باهظا بضرب مدينتي هيروشيما ونجازاكي بقنبلتين نوويتين وأدى إلى موت حوالي مائة وعشرين ألف شخص ومثلهم بسبب الاشعاع النووي الذي اثر فيهم وفي مواليدهم.
لم يكن في مخيلة اليابانيين دخول الحرب ضد أمريكا ولكنهم اعتقدوا انها تمنع تحركاتهم في الشرق الأقصى وستحاصرهم فاعتقدوا ان بدأوا الحرب فسينتصرون عليها وكان قرارا احمق ومن دون رؤية مستقبلية.
حاولت ألمانيا صنع قنبلة نووية وصواريخ لضرب نيويورك ولكنها لم تنجح ولو استطاعت المانيا واليابان صنع القنبلة الذرية لاستخدمتاها لأن لهما برامج مخيفة عن الحرب الكيماوية والبيولوجية واعترفت بهما ألمانيا واليابان لاحقا وكان ضحايا تجارب اليابان مائتين وسبعين ألف صيني ودمرت اليابان مختبراتها في منشوريا خلال الهجوم السوفيتي في 8 أغسطس .1945
بعدها بسنوات عثر على حطام غواصة ألمانية كانت في مهمة سرية الى اليابان لنقل يورانيوم وطائرة شميث نفاثة مفككة لاستخدامها.
رغم خسائر أمريكا فقد تردد الرئيس ترومان في استخدام القنبلة النووية ودعا وزير الحربية الأمريكي لحماية الامبراطور وسحب صلاحيته ليكون ملكا دستوريا ليأمر الجيش بالاستسلام المنظم ولكن مستشار الرئيس الامريكي اراد ان يكون استسلام اليابان مثل استسلام المانيا من دون قيد او شرط وان تتحمل اليابان مسئولية الحرب.
اعتقد رئيس الاركان الجنرال جورج مارشال ان غزو اليابان سيكلفهم ما بين ستمائة وخمسين ألفا إلى مليون قتيل من الجنود الامريكيين والاستراليين والكنديين بالاضافة الى خسائرهم في المناطق التي مازالت اليابان تحتلها وبها ثلاثة ملايين جندي ياباني خارج اليابان ووجود مليون جندي في اليابان ومعهم مجندون مدنيون من رجال ونساء واطفال ووصلت إليه معلومات من المخابرات بأن اليابان حشدت ثلاث فرق عسكرية في يونيو للدفاع عن جزيرة كيوشو المقرر غزوها في نوفمبر 1945 ولتكون قاعدة انطلاق لاحتلال اليابان في اوائل سنة 1946 ولكن في 25 يوليو زادت إلى تسع فرق وفي اغسطس 1945 زادت الى اثنتي عشرة فرقة مما جعله يقلق ويقول انه الجحيم فطلب الاستعانة بسبع قنابل ذرية لتحطيم دفاعات الجزيرة الساحلية قبل نزول القوات الامريكية وفي 22 يوليو رصدت وحدة خاصة في المخابرات الامريكية بعد اختراق الشفرة السرية لوزارة الخارجية والقوات اليابانية منذ مدة طويلة برقيات متبادلة بين السفير الياباني في موسكو ووزير الخارجية الياباني بأن اقصى ما يمكن الحصول عليه لوقف الحرب هو الاستسلام من دون قيد او شرط وحماية الامبراطور فرد عليه وزير الخارجية لا، لا، لا، وبرقيات اخرى متبادلة بين القيادات العسكرية بالقتال ورفض الاستسلام والقتال حتى النهاية ولتكون معركة فناء.
كان الرأي العام الامريكي مشحونا بالكراهية ضد الامبراطور واليابان خاصة بعد هجوم بير هاربر ومعاملتهم للعسكريين والمدنيين في المناطق التي احتلتها اليابان وكثرة خسائر الامريكيين خلال الحرب ولكن رغم الدمار والخسائر في الارواح والمعدات والمصانع المدنية والعسكرية والحصار الاقتصادي وبوادر تمرد على الاوضاع في اليابان فإن تفكير القادة غير منطقي او واقعي وخاصة بعد استسلام المانيا في 7 مايو من دون قيد او شرط والقبض على قادتها لتقديمهم للمحاكمة كمجرمي حرب واحتفلت اوروبا بيوم النصر في 8 مايو .1945
قرر ترومان استخدام القنبلة الذرية للإسراع في انهاء الحرب ومحافظة على ارواح الامريكيين واليابانيين فوجه انذارا نهائيا وشديدا في 26 يوليو 1945 خلال اجتماعه في بوتسدام بألمانيا وحث اليابان على الاستسلام من دون قيد او شرط ومن دون تأخير لأنها ستواجه بحرب ودمار عاجلين وشاملين ولم يشر الى القنبلة الذرية ووقع الانذار ترومان والجنرال الصيني تشانج كاي تشك وتشرشل الذي خسر الانتخابات البريطانية في 28 يوليو وخرج من الحكم وحل محله اتلي من حزب العمال ولم يوقع جوزيف ستالين وماطل في اعلان الحرب على اليابان واصر على الحصول على غنائم الحرب اليابانية وأنه سيدخل الحرب في 15 أغسطس 1945 وحاول الحصول على تنازلات ومكاسب من اليابان للتوسط لانهاء الحرب من دون استسلام ولكن ضرب مدينة هيروشيما بالقنبلة النووية في صباح 6 أغسطس جعل السوفيت يعلنون الحرب على اليابان بعد يومين.
رفضت اليابان الرد على الانذار النهائي وقال رئيس الوزراء الياباني الادميرال كنتارو سوزوكي ان الحكومة ستتجاهله وطلبوا إلى السوفيت التوسط مع امريكا واعتقد اليابانيون ان ارسال الانذار قبل الغزو ومن دون اراقة دماء امريكية على الارض اليابانية دليل ضعف وان الانتظار ومواصلة الضغط على امريكا سيجعلانها تقبل شروط اليابان لانهاء الحرب وليس الاستسلام وبعد مرور تسعة ايام في 5 أغسطس 1945 لم يحاول الامبراطور الضغط او نصح حكومته بقبول العرض وكان همه المحافظة على نفسه وحكمه الامبراطوري وصلاحياته ولم يفكر بشعبه ووطنه واضاع فرصة قبول انذار بوتسدام لتجنب شعبه المزيد من الدمار.
اختير بعض المدن المهمة ومنها هيروشيما لوجود مراكز وقيادات ومصانع عسكرية اجبر الكثير من النساء والرجال والاطفال ومنهم كوريون على العمل فيها واستبعدت مدينة كيوتو لكثرة معابدها التاريخية بتوصية من البروفيسور ادوين ريشور ورئيسه الرائد الفريد مكورماك ووزير الحربية الامريكي هنري ستيمسن وارسل عالمان يعملان في مشروع منهاتن رسالة بمعرفة الحكومة الامريكية إلى عالم الذرة الياباني المعروف ريكيوجي ساجن وكان زميلا لهما اثناء دراستهم في جامعة كاليفورنيا عن القنبلة النووية وان امريكا ستستخدمها لانهاء الحرب وطلبا توصيل رسالتهما الى الحكومة اليابانية لحثها على الاستسلام وهناك تضارب في تفاصيل رسالتهما ووصولها.
في الساعة الثامنة والربع صباح يوم السادس من أغسطس ألقت قاذفة القنابل بي 29 المسماة انيولاجاي القنبلة النووية الاولى ــ وسميت الولد الصغير ــ على هيروشيما وانفجرت بعدها بدقيقتين وكان الانفجار والتدمير مروعين وقال مساعد الطيار يا إلهي ما الذي فعلناه؟ وقضي على زهاء 80 ألف شخص وفي اليوم التالي مات العدد نفسه بالاشعاع النووي ودمر ثلثا المدينة والمآسي والقصص التي رويت ودونت لا يمكن وصفها وتكتمت اليابان لعدم معرفتها انها قنبلة نووية حتى اعلن البيت الابيض عن طريق الاذاعة بعد 16 ساعة من ضرب هيروشيما واعلن ترومان في خطاب اذاعي الى الشعب الامريكي ان اعلان بوتسدام في 26 يوليو كان انذارا نهائيا يهدف الى تجنيب الشعب الياباني الدمار ولكن زعماءه رفضوا الانذار واذا لم يقبلوا شروطنا فعليهم ان يتوقعوا ان تمطر السماء عليهم دمارا لم يشهدوا له مثيلا على وجه الأرض ووراء هذا الهجوم الجوي ستأتي قوات بحرية وبرية بأعداد وقوة لم يروها وبمهاره قتالية قد خبروها فليسألوا عما حدث في هيروشيما.
لم يجتمع الامبراطور هيروهيتو ومجلس الوزراء ومجلس الحرب بعد ضرب هيروشيما مدة ثلاثة أيام لأن الامبراطور كان يأمل في رد السوفيت على الوساطة ولكن سفيره ناوتك ساتو في موسكو أرسل برقية بأنهم لن يردوا عليه وقبيل منتصف ليلة 8 أغسطس أعلن السوفيت الحرب على اليابان لان ستالين خاف ان تنهي القنبلة النووية الحرب قبل ان يدخلها فقدم موعد اعلان الحرب اسبوعا فشن الجيش الاحمر أكبر عملية برية في حرب المحيط الهادي ضد اليابان في منشوريا وفي الوقت نفسه أعدت القوات الأمريكية قنبلة نووية ثانية.
اجتمع الامبراطور في صباح 9 أغسطس في الساعة العاشرة مع مجلس الحرب لمناقشة قبول اعلان بوتسدام فانقسم المجلس فاجتمع مجلس الوزراء بكامله فانقسم هو الآخر وطلب وزير الخارجية توغو قبوله بشرط المحافظة على الامبراطور وسحب صلاحياته وأن يكون ملكا دستوريا كملك انجلترا لخوف توغو من القوات السوفيتية لأنهم سينهون النظام الامبراطوري وبلغت الجرأة بالعسكريين بقيادة الجنرال انامي الاصرار على اضافة ثلاثة شروط بانهاء الحرب وعدم الاستسلام وعدم الاحتلال واعادة تنظيم الجيش والمحافظة على المشاة وكان تفكيرهم غير واقعي او منطقي وانقسم المجلس ووزير الخارجية على الاستسلام وعارضه رئيس الوزراء ووزير الدفاع الجنرال انامي وارتكب الامبراطور غلطة كبيرة بعدم الضغط على المجلس لقبول الاستسلام وحرضهم على حماية امتيازاته وعدم تغيير الحكم الى نظام ديمقراطي بجعله ملكا دستوريا وأراد الاحتفاظ بصلاحية اتخاذ القرارات الممنوحة لجده بحسب دستور سنة 1860 ورفض نزول القوات الامريكية ورفض نزع سلاح الجيش الياباني رغم الدمار الهائل وموت العديد من شعبه والمجاعة المنتشرة فى بلاده.
بدأت القوات الأمريكية القاء منشورات من الطائرات على المدن اليابانية لعدم الوجود او العمل في المصانع قبل القاء القنبلة النووية الثانية ولكن الجنرال انامي كان ضد ايقاف الحرب وادعى أن أمريكا تملك قنبلة نووية واحدة واستخدمتها فلا داعي للتعجل والاستسلام وخلال الاجتماع كانت قاذفة قنابل بي 29 واسمها الفنان الكبير محملة بقنبلة ثانية وسميت الولد السمين متجهة الى مدينة كوكورا ودارت حولها ثلاث مرات لأن السماء كانت ملبدة بالغيوم وقبل ان ينفد الوقود اتجهت إلى مدينة نجازاكي وهي من الموانئ المهمة وبها منشآت عسكرية وصناعية لصناعة السفن والمعدات الحربية وكان الجو صحوا فألقت القنبلة في الساعة الحادية عشرة صباحا وبعد ساعتين عرف العالم بضربها.
واصل المجلس اجتماعه وتدخل الامبراطور واجتمع اولا مع مستشاره الرئيسي ماركيز كويش كيدو من بعد الظهر الى فترة طويلة وبحثا مسائل جوهرية وعارض الامبراطور قبول شروط وزير الخارجية توغو بأن يشمل حكم الامبراطور السياسي ولا تقتصر الشروط على الحفاظ على البيت الامبراطوري لأن من المهم الحفاظ على مركز الامبراطور ضمن القانون الوطني ومع صلاحيات فعلية منحت لجده في دستور 1868 واجتمع المجلس المصغر في الليلة عينها وحاول بارون هيرانوما وهو سلفي من ديانة الشنتو تعزيز صلاحيات الامبراطور وجادل بأن الدستور ليس له صلة لان سلالة الامبراطور سابقة على الدستور وان اصل اليابان من اصل البيت الامبراطوري المقدس والمنحدر من الالهة قبل ظهور الدساتير بوقت طويل.
تدخل الامبراطور وارسلت اليابان رسالة إلى واشنطن بقبول اعلان بوتسدام بشرط واحد بألا يجحف بامتيازات صاحب الجلالة كحاكم ذي سيادة ولكن هذا الشرط عند رجال القانون والسياسة يعني منع امريكا من نزع سلاح اليابان واضفاء الديمقراطية عليها وهذا مختلف كليا عن تعبير امبراطور رمزي يحكم كملك انجلترا كما اعتقد توغو وبعض مستشاري ترومان ووصل رد اليابان على اعلان بوتسدام الى واشنطن في يوم 10 أغسطس .1945
رغم ضرب اليابان بقنبلتين نوويتين لم يتوقع احد استسلاما قريبا وألغى وزير الحربية الأمريكي ستيمنس خطط اجازته لحضور اجتماع مجلس الوزراء وترأس الاجتماع وحث ترومان على قبول العرض الياباني لاستخدام سلطة الامبراطور للحصول على استسلام منظم للقوات المسلحة اليابانية والا فانهم سيواجهون عشرات اوجيما واوكيناوا وفي قارة اسيا وجنوب شرقي اسيا والباسفيكي وتكبد خسائر تتراوح بين ستمائة ألف ومليون اصابة غير الاصابات الاخرى عند غزو الجزر اليابانية حسب توقعات الجنرال مارشال.
ابلغ ترومان مجلس الوزراء بأن البرقيات التي تلقاها من داخل أمريكا تعارض قبول عرض اليابان معارضة ساحقة وكانت آراء الشعب ذات اهمية لدى وزير الخارجية بيرنز لانها اراء الشعب في الرئيس وتعني اذا قبل الرئيس الاحتفاظ بالنظام الامبراطوري وبالامبراطور فان الرئيس سيدمر نفسه داخليا وهذا هو الخوف من رد الفعل ونال بيرنز الدعم من جهة غير متوقعة لأن الاحتفاظ بالامبراطور كان فكرة نائب وزير الخارجية جوزف غرو وخبراء شئون اليابان بوزارة الخارجية ومنهم جوزف بلانتين وقد سخر منهم البعض ووصفوهم بأنهم عبدة الامبراطور لكنهم عرفوا ما كان يعنيه بارون هيرانوما بامتيازات امبراطورية وقال بلانتين فورا هذه أخبار سيئة، هذه امتيازات امبراطورية ومعنى ذلك اننا سنحتفظ بالمصادر العسكرية اليابانية وسيكون ذلك مغايرا للأهداف الاساسية للولايات المتحدة الامريكية.
كان بيرنز في موقف صعب لأن رفض عرض اليابان يعني اطالة امد الحرب واعطاء السوفيت موطئ قدم باليابان واعطاءهم دورا في الاحتلال وتجنب الرد الذي اعده بيرنز لترومان عن مصير الامبراطور ولكنه اوضح ان الامبراطور لن يكون مسئولا ومن دون امتيازات بقوله في رده "فمنذ لحظة الاستسلام فان سلطة الامبراطور والحكومة اليابانية ستخضع للقائد الاعلى لقوات الحلفاء" ويقال ان الرئيس ترومان فكر في تجهيز قنبلة اخرى لضرب مدينة ثالثة في 17 أغسطس.
وصل رد بيرنز لليابان واجتمع مجلس الحرب مرة اخرى في 11 أغسطس وانقسم مرة اخرى فعارض الجنرال انامي طوال ثلاثة ايام صاخبة جناح الموافقين على الاستسلام بقيادة توغو وتدخل الامبراطور مرة اخرى في 14 أغسطس وفرض ارادته واجتمع مع مستشاره ماركيز كويش كيدو من الظهر حتى وقت متأخر وبعد اجتماعه قال بحزن انني اعتقد ان مواصلة الحرب ستعود علينا بالمزيد من الدمار وقبل منتصف ليلة 14 أغسطس سجل رسالة الاستسلام وخلال ساعات قام بعض صغار الضباط بانقلاب في القصر الامبراطوري وقتل فيه قائدان من حرس القصر ونهب القصر الامبراطوري لاتلاف رسالة الاستسلام واحرقوا بيوت رئيس الوزراء سوزوكي ومستشار الامبراطور بارون هيرانوما ووصفوهما بالخونة والعمالة لامريكا ولم يعارضهم الجنرال كوروشيكا انامي ولم يدعمهم ففشل الانقلاب وكان آخر اعماله ما يفخر به كل محارب ياباني خاض معركة بكل شجاعة وخسرها وكان لطقوس انتحاره وجنازته معنى مهم لنهاية الجيش الامبراطوري وارسلت رسالة الاستسلام يوم 14 أغسطس ومشروطة بحماية الامبراطور فقبلها ترومان بشرط ان يذيعها الامبراطور على شعبه ويحث جيشه على الاستسلام المنضبط واعلنت امريكا ايقاف الحرب في 15 أغسطس وفي الظهر بثت الاذاعة اليابانية خطابا للشعب لم يسمعوه ابدا من قبل، سمعوا صوت امبراطورهم مبررا انهاء الحرب ولم يذكر الاستسلام وتلاعب بمضمونه واشار الى القنبلة النووية والظروف المحيطة بهم ولم يذكر مسئوليته او مسئولية اليابان عن اشعال الحرب ولكن من اجل انقاذ البشرية من المزيد من الاعمال البربرية فانه يعلن انتهاء الحرب لحماية شعبه واخلاصه لهم محاولا تأمين مركزه وعدم الثورة عليه او خلعه وبعدها وجه خطابه للجيش لحثهم على الاستسلام والقى بالمسئولية على دخول القوات السوفيتية التي كان بامكانها اجتياحهم.
رغم استسلام القوات اليابانية في 15 أغسطس فإن المعركة الكبيرة حدثت بينهم وبين الجيش الأحمر في ميناء بورت آرثر يوم 20 اغسطس .1945
الهزائم والدمار واستخدام القنبلتين النوويتين والخوف من الاجتياح السوفيتي حث واجبر اليابان على الاستسلام وكتب الامبراطور هيروهيتو لابنه تفسيرا لهزيمة اليابان بأن العسكريين اهتموا بالروح وتناسوا العلم وايدته زوجته الامبراطوره نغادو.
وصلت اخبار الاستسلام الى جميع انحاء العالم ومنها القوات الامريكية واليابانية والشعب الياباني والشعوب المحتلة التي انقذها الاستسلام من موت محقق لا يعلم عدده الا الله.
تؤكد هذه الحقائق والحوادث ان الامبراطور الياباني والقيادة السياسية والعسكرية هم المتسببون في ضرب مدينة هيروشيما بالقنبلة الذرية لان همهم كان حماية نفوذهم ومراكزهم ومكتسباتهم وكانوا هم المتسببين في معاقبة وتدمير الشعب الياباني لأنهم اضاعوا الكثير من الفرص لحماية شعبهم بمماطلتهم في الاستسلام واستخدام مصطلحات دينية ودستورية واعتقادهم ان اعلانهم انهاء الحرب سيجبر امريكا على التفاوض من دون الاهتمام بالمآسي والكوارث التي حلت بالشعوب الاخرى واستغلوا اعتقاد الشعب الياباني ذي الحضارة العظيمة أن الاسرة الامبراطورية من نسل الالهة. رغم مرور اربعة وستين عاما على انتهاء الحرب العالمية الثانية ضد اليابان فقد انقسم الناس ومنهم اليابانيون في استخدام القنبلة النووية ولكن اليابان التزمت بنزع سلاحها وعدم الاشتراك في الحروب مهما كانت الظروف واهتمت بالسلام العالمي واهتمت بالبناء والتصنيع والتعليم والزراعة واستطاعت التفوق في العديد من المجالات ماعدا المجالين النووي والحربي واصبحت من احدى الدول الصناعية السبع القوية بفضل الجنرال ماك آرثر الحاكم الفعلي لليابان وامبراطورها باني نهضة وقوة اليابان بعد الحرب وقادتها وشعبها والمساعدة الامريكية المشابهة لمشروع مارشال في اوروبا.
كنت فى زيارة لليابان منذ سنوات ومصادفة أثير موضوع مسئولية الحرب واستخدام القنبلة النووية ومما أثار دهشتي ان اليابانيين مختلفون عليها وأخبرني بعضهم بأن أحداث الحرب لم يعرفوها الا من الصحف والمراجع الأجنبية لعدم ذكرها او الحديث عنها في اليابان ولا تدرس في المدارس.
ويقال ان الأمبراطور قال لشعبه: خسرنا معركة ولكننا سنربح الحرب قاصدا الاقتصاد العالمي وصرح في مؤتمر صحفي في 31 أكتوبر 1975 بأنه يشعر بالقلق تجاه القاء القنبلة النووية ويأسف على مدينة هيروشيما وسكانها نظرا لأنها وقعت أثناء الحرب وأنه كان أمرا لا مفر منه.

وان شاء الله سأذكر في المقال القادم الحقائق التي أدت الى الحرب الكورية والأسباب التي أدت الى اعفاء الرئيس ترومان الجنرال ماك ارثر وتكريمه وليس طرده كما ذكر في المقال وخروج أكثر من 7 ملايين ونصف مليون أمريكي لاستقباله وقوله: المحاربون القدماء لا يموتون لكنهم كالشمس يتلاشون تدريجيا.