قصة طائرة سبيت فاير (باصقة النار) البحرينية

ان التبرع لشراء السلاح خلال الحروب معروفا منذ قـرون وفي خلال الحرب العالمية الاولـى كان التبرع لشراء دبابة او طائرة و خلال الحرب العالمية الثانية طلبت بريطانيا العظمى من مواطنيها المساهمة لشراء طائرة سبيت فاير وتم اعداد و توزيع قوائم شراء لكل طائرة بخمسة الاف جنيه استرليني وهي طائرة مقاتلة انكليزية الصنع باجنحة سفلية سريعة ومؤثرة ذات مقعد واحد (كانت الطائرات قبل ذلك الوقت ذات جناحين او اربعة اجنحة علوية ومقصورة الطيار مفتوحة ) وكانت بداية طيرانها الاول في سنة 1936 وتم ادخلها في خدمة سلاح الجوي الملكي في سنة 1938 وتم تطويرها باستمرار خلال الحرب لاستخدامها في مهمات قتالية على الارتفاعات عالية وكمقاتله قاذفة وللتصوير وكانت سرعتها في بداية أنتاجها ودخولها الخدمة حوالي 360 ميلا في الساعة (580 كيلومتر ) ومسلحة بثمانية مدافع رشاشة وخلال الحرب كان لها الفضل مع طائرة " هريكان " في حماية سماء انكلترا0

عين رئيس وزراء انكلترا ونستون تشرشل في سنة 1940 اللورد بيفر بروك لادارة وزارة جديدة لانتاج الطائرات وفي خلال فترة وجيزة انتشرت فكرة اشتر سبيت فاير سريعا في الشوارع وفي كل قرية ومدينة وبدأت الصحف في جمع التبرعات من قرائها وطلبت مساهمة الجميع وبدأت في نشر قوائم المتبرعين اسبوعيا وساهم الاطفال بمصروف جيبهم وكبار السن بمعاشات التقاعد وكان احد الشعارات خلال حملة التبرع " كلما تدفع اكثر كلما قلت الغارات " ساهم الجميع في تحمل المسئولية وانهالت التبرعات من مختلف مناطق العالم0

في صغري كنت مولعا باقتناء نماذج الطائرات وصورها التي كان يهديني والدي بعد رجوعه من سفراته من انكلترا في الخمسينات, وكذلك اهداني اخي الذي كان يدرس في انكلترا في بداية الستينات نمودج لطائرة سبيت فاير وعندما راها جدى رحمة الله اخبرني عن قصة مشوقة عن تبرع المواطنين في انكلترا وباقي دول العالم وقد ساهمت حكومة وشعب البحرين في التبرع لشراء طائرة سبيت فاير وقد زاد فضولي بعد ذلك لمعرفة وقائع التبرع ولكنني لم استطع ذلك لعدم توفرها والمعلومة الوحيدة ذكرها السيد تشارلز بيلكريف مستشار حكومة البحرين في ذلك الوقت في سطور قليلة ومختصرة في مذكراته 0

ولكن خلال الاشهر الماضية لفت نظري وجود صوره لهذه الطائرة في جمعية تاريخ واثار البحرين مما جعلني استرجع بذاكرتي قصص جدي رحمه الله خلال فترة طفولتي وقد استفسرت من رئيس الجمعية الدكتور عيسى امين الذي اعلمني عن عدم توفر معلومات ونصحني بالاتصال بسفارة المملكة المتحدة وقد زودني السيد بيتر فورد السفير السابق ببعض العناوين التي قد تفيدني وبعد محاولات متعددة استطعت الحصول عليها ونظرا لاهمية هذه المعلومات التاريخية قررت نشرها ليشاركني القراء في معرفتها 0

كانت مساهمة حكومة وشعب البحرين لشراء الطائرة هي بمثابة ترابط ودعم وتأييد لبريطانيا وقد ساهم الجميع من موظفي الحكومة وعامة الناس في حملة التبرع وقد تم ذلك بنصب خيمة في حديقة الباخشا (كلمة هندية تعني منتزة) وكانت حديقة حيوان تعتبر الاولى في منطقة الخليج العربي ومكانها بين شارع الشيخ عبد الله (امتداد سوق الذهب) الي موقع مدرسة الزهراء للبنات(كانت الدراسة في هذه المدرسة مختلطة للاولاد والبنات في سنة 1955) كان تبرع موظفي الحكومة يتراوح ما بين 10 روبيات الي 25 روبية (عملة هندية استخدمت في البحرين والخليج الي سنة 1965 وهذه المبالغ تعادل دينار الي دينارين ونصف ) وقد ساهم الكثير من التجار والعائلات بمبالغ خمسين روبية ومضاعفاتها وهذه المبالغ تعتبر كبيرة (مع الاخذ بالاعتبار قيمة صرف العملة وقوتها الشرائية في ذلك الوقت) وقد ساهم في التبرع المغفور له سمو الشيخ حمد بن عيسى بن علي ال خليفة حاكم البحرين في ذلك الوقت وحكومة البحرين 0

وتم استخدام الطائرة بواسطة السلاح الملكي البريطاني وسجلت بأسم البحرين وبرقم دبليو 3632 وتم كتابة اسم البحرين على الطائرة من الجانبين باللغة العربية والانكليزية وقد قامت السيدة (الليدي ) كوكس بالحضور شخصيا للاحتفال بكتابة اسم البحرين عليها ودخولها الخدمة الفعلية 0

كان كل متبرع بخمسة الاف جنية استرليني او مضاعفتها يحصل على صورتين و شهادة مطبوعة على صحون خزفية ولم يبقى منها الا القليل 0 لقد استطعت الحصول على بعض صور الطائرة غير متوفرة في البحرين واني اعتز بهذه الصور واحتفظ بها 0

ولعدم توفر الكثير من المعلومات الا انني استطعت الحصول على بعضها فقد طارت الطائرة لاول مرة في 15 يوليو سنة 1941 وبعدها قام قائد الجناح فرانسيس دايفيد ستيفن سكوت مادلن باربعة واربعين طلعة جوية بها الي شمال فرنسا 0

علاقة البحرين مع المملكة المتحدة تمتد منذ 1820 وتواصلت مع الانكليز من رجال الاعمال والدبلوماسيين وعوائلهم وعاشوا معنا باحترام لعاداتنا وتقاليدنا 0

بعد نهاية الحرب العالمية بلغ عدد طائرات سبيت فاير التي حملت اسماء المساهمين حوالي 1500 طائرة وكان مجموع التبرعات لشراء هذه الطائرات 8 مليون جنيه استراليني يعادل حوالي 175 مليون جنيه استرليني بسعر اليوم وبقت من هذه الطائرات طائرة واحدة بأسم سيبونك ورقم بي 8332 (P 8332 SOEBANG) معروضة الان في المتحف الحربي في اوتادا بكندا وقد اهدتها الملكة الهولندية فلهيمينا وسميت بأسم احدى المستعمرات الهولندية الشرقية الهندية ومن المعلومات المهمة :

24/12/1941 خروجها من الخدمة لاصابتها في القاعدة الجوية مانستون

14/1/1942 اول سقوط للطائرة واصلاحها

12/3/1943 ارسالها الي فيكرز لتحديثها وتطويرها

26/7/1943 ارسال الي الوحدة رقم 340 لفرنسا الحره المتركزه في درم في اسكوتلندا

18/3/1945 حادث اخر وخروجها من الخدمة لحين اصلاحها

29/11/1945 خروجها نهائيا من الخدمة

اتمنى من اي قارئ لديه أي معلومات عن هذه الطائرة كوصل استلام تبرع او اسم الاشخاص المتبرعين وقيمة المبالغ لانني في سبيل اعداد ونشر كتاب عن الطائرة وبالامكان مراسلاتي على العنوان التالي 0

salahuddin@batelco.com.bh

27/10/2003 يوسف صلاح الدين - 39668277

صفحات من تاريخ البحرين الاجتماعي المعاصر

أنا من الحريصين على زيارات المجالس الرمضانية ومن المجالس المحببة إلي مجلس الشيخ عبدالله بن خليفة بن سلمان آل خليفة الذي تربطنا معه علاقات حميمة منذ مدة طويلة بدأت بين والده الشيخ خليفة بن سلمان بن عيسى بن علي آل خليفة وجدي أحمد بن حسن إبراهيم رحمهما الله.
كنت في زيارة للشيخ عبدالله مساء يوم الخميس في 20 رمضان 1430 هـ الموافق 10 سبتمبر 2009 وكان المجلس عامرا بالزوار لحرص الشيخ عبدالله وأنجاله: الشيخ محمد والشيخ خليفة والشيخ مبارك حفظهم الله على الاحتفاء بالزوار بابتسامتهم المميزة والحميمة وتبادلهم الأحاديث الودية معهم في أمور عديدة عن مملكتنا الحبيبة والغنية بأحداثها الكثيرة وتاريخها الممتع وتراثها المميز في مجالات عديدة أهمها عن الحياة الاجتماعية والأسرية التي تجذب الزوار الى الاستماع لها لأنها تشدهم الى حنين الماضي الجميل.
الشيخ عبدالله كثير الاطلاع ويحفظ كثيرا من الوقائع وعاصر كثيرا من الأحداث وهو كنز حضاري لمملكة البحرين وأرجو من المسئولين الكرام تدوين وتوثيق أقواله وذكرياته ومجموعة صوره وصور والده القديمة.
كان من زوار المجلس السيد آدم ايرلي سفير الولايات المتحدة الأمريكية في مملكة البحرين الذي أبهر الزوار بابتسامته وبساطته وعفويته وتحدثه باللغة العربية وإلمامه بالأمور المحلية والعالمية، وقد عبر عن إعجابه بمدافن عالي التاريخية وبيوت مدينة المحرق التراثية خلال أحاديثه الشائقة مع الشيخ عبدالله وأنجاله وزوار المجلس.ومن الأحاديث والذكريات الجميلة التي استمتع بها الزوار حديث الشيخ عبدالله عن حبه وحب والده للطيران والتصوير الفوتوغرافي بسبب قرب بيت والده في منطقة أم النخيلة من مدرج رملي لمطار المحرق القديم في أربعينيات القرن الماضي ونشأت صداقة بين والده وأغلب الطيارين البريطانيين، وكان الشيخ عبدالله وأخوه الشيخ عيسى يتابعان بشغف الطائرات المدنية والحربية القادمة والمغادرة من والى المطار خلال الحرب العالمية الثانية، وذكر لنا الشيخ عبدالله حادثة تاريخية مهمة غير معروفة للحضور ولي رغم تدويني الكثير من الأحداث وخاصة المتعلقة بالطيران عن زيارة طائرة وهي قاذفة قنابل أمريكية بي 29 المشهورة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتحمل اسما غريبا هو أطفال كراتشي وصائد الأعاصير (كراتشي كيدز/ هاريكان هنترز) وهي مماثلة للطائرة التي قصفت اليابان ومدينة هيروشيما خلال الحرب وعرض الطيار على والده وابنيه الشيخ سلمان والشيخ راشد أخذهم في جولة فوق مدن البحرين وأجلس الطيار والده في مقعد مساعد الطيار وربطه بحزام المقعد وأجلس ابنيه مع مساعد الطيار واسمه بوث خلف كابينة القيادة وخلال الجولة الجوية سأل الطيار الشيخ خليفة باللغة الإنجليزية إذا أراد أن ينقض بالطائرة كما يفعل أثناء إلقاء القنابل فأجاب والده ومن دون ان يعلم السؤال بنعم باللغة الإنجليزية فقام الطيار بالانقضاض والارتفاع بسرعة كأنه في مهمة قتالية مما سبب هلع المرافقين الجالسين في الخلف لأنهم فكوا أحزمة المقاعد وسقطوا من عليها وجرح رأس البعض لارتطامهم بسقف الطائرة وسقطت فأس تستخدم عند الطوارئ حيث مر بين وجه مساعد الطيار والشيخ سلمان وجرحهما.
فوجئ الحاضرون بالأحاديث والذكريات الشائقة وخاصة عندما طلب الشيخ عبدالله جلب صورة كبيرة للطائرة بي 29 مع الطيار والملاحين ووالده وابنيه وأعلمنا الشيخ عبدالله ان الطيار غادر البحرين وانضم الى شركة طيران بان أمريكان وزار البحرين بعد افتتاح الشركة خطا مباشرا من نيويورك الى البحرين في سنة 1976، وقابل الطيار صاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر حفظه الله وقدم لسموه صورا قديمة عن البحرين.
ومن الأشياء العجيبة التي ظل الناس يتحدثون عنها وغير مصدقين لها لصعوبة وندرة المواصلات في ذلك الوقت رؤية الناس والده في الصباح أثناء السلام على صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة رحمه الله في قصر الرفاع، ولكن بعد رجوع والده الى أم النخيلة حضر صديقه وهو طيار من السلاح الجوي الملكي البريطاني وطلب إليه مرافقته في جولة روتينية فذهب معه، وأثناء الطيران أعلمه انهما بالقرب من مطار الشارقة وسينزل للتزود بالوقود وأعلم برج المراقبة بأن الشيخ خليفة معه في الطائرة وعند نزول الطائرة فوجئ والده باقتراب سيارة فورد حمراء اللون وعليها علم الإمارة ونزل منها حاكم الشارقة في ذلك الوقت الشيخ سلطان القاسمي الذي أصر عليه ان يتغدى معه وأرسل برقية يعلم الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة بوصول الشيخ خليفة وأنهما تغديا معا ورجع بعدها والده الى البحرين في اليوم نفسه.
ومن الأحاديث الجميلة والمفرحة التي أضحكت السفير الامريكي والزوار ان والده قرر الذهاب بطائرة بحرية مع صديقه الطيار البريطاني الى هيرات اللؤلؤ وقرر جلب أربع أغنام حية ليهديها الى الغاصة لافتقادهم اللحم واعتمادهم على السمك خلال مدة الغوص التي تصل الى أسابيع ولكن الطيار عارض نقل الأغنام حية فتم ذبحها ونقلها بالطائرة في أكياس.
فوجئ الغاصة بنزول طائرة بحرية بالقرب من سفنهم وفرحوا برؤية والده واهدائهم لحم الأغنام وأخبروا والده بأن زيارته جلبت لهم الخير لأن محصولهم من اللؤلؤ في تلك المرة كان وفيرا وأظهروا لوالده والطيار اللآلئ ومنها فص لؤلؤ أسود في حجم ثلث الإصبع.
فوجئ الحضور بأن الشيخ عبدالله له مغامرة جوية فقد طلب إلى صديق والده الطيار البريطاني أخذه مع أخويه الشيخ راشد والشيخ عيسى في جوله فوق مدينة المحرق وأثناء الطيران طلب الشيخ عبدالله إلى الطيار التحليق فوق بيت خطيبته لعله يراها.
غادر السفير الأمريكي المجلس وبعدها بمدة حضر السيد عبدالعزيز بن هادف الشامسي سفير دولة الامارات العربية المتحدة وتبادل مع الشيخ عبدالله وأنجاله والزوار الأحاديث الشائقة عن العادات والتقاليد بين الأشقاء في البحرين والإمارات وعن فوائد الصوم والجو الروحاني في رمضان، وان السفير يعتبره شهر حيوية ونشاط وليس شهر تعب وخمول، وذكر عن صعوبة الحياة في السابق ولكن الآباء والأجداد عاشوا بصبر وجد وإخلاص، وتحدث عن مدينة العين الجميلة في أبوظبي وأخبره الشيخ عبدالله عن ذكرياته الجميلة عنها لأنه زارها في سنة 1966 بمعية صاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر حفظه الله وكان الشيخ زايد آل نهيان رحمه الله حاكمها في ذلك الوقت وسأل الشيخ عبدالله السفير عن الفلج الذي كان ينزل ماءه باردا من رأس الجبل ولكنه تكدر عندما أخبره السفير بأن الفلج نشف وتشعب الحديث الى اشياء جميلة وممتعة وخاصة عندما ذكر السفير تشابه الأسماء بين الاشخاص والعائلات وموضوعات أخرى.
أشكر الشيخ عبدالله وأنجاله لحسن ضيافتهم ولأحاديثهم الشائقة ومعلوماتهم الغزيرة ولإهدائي مجموعة من الصور التاريخية والنادرة القيمة وأرجو ان يسمحوا لي بنشرها لندرتها ليطلع عليها الجيل الحالي في مملكتنا الحبيبة البحرين.

أدعو الله سبحانه وتعالى أن يديم المحبة والأمن والسلام علينا جميعا.

يوسف صلاح الدين

yousufsalahuddin@batelco.com.bh